رأي
عمر نشابة
الجمعة 12 أيلول 2025
بعد مرور نحو عامين من إبادة البشر وتفجيرهم وقصف المستشفيات والطواقم الطبية واستهداف موظفي الأمم المتحدة ومراكزها واغتيال الصحافيين والإعلاميين وفرق الإغاثة وقنص الأطفال وتجويع الناس وخطف عشرات الآلاف وتعذيبهم واغتصابهم والحط من كرامتهم في فلسطين ولبنان واليمن وسوريا، لم يتحرّك العالم بطريقة فعّالة ومجدية لمنع الكيان الإسرائيلي من مواصلة إجرامه.
مجلس الأمن الدولي، صاحب الاختصاص الأساسي في كل ما يهدّد السلم والأمن الدوليين، لم يتخذ قراراً حاسماً كفيلاً بوضع حدّ لنسف أبسط قواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني. وتراجعت الدول الأوروبية عن دعمها للمحكمة الجنائية الدولية، لا بل رفض بعضها تنفيذ الأوامر الصادرة عن قضاتها في تشرين الثاني 2024 باعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بسبب ارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
أمّا الدول العربية الموقّعة على اتفاقيات «أبراهامز» للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي (الإمارات والمغرب والبحرين والسودان)، فلم يكلّف المسؤولون فيها أنفسهم مجرّد استدعاء السفير الإسرائيلي للتعبير عن اعتراضهم على خرق إسرائيل ما جاء في الفقرة الأولى من الإعلان عن «احترام كرامة الإنسان وحرّيته» وعن «الحفاظ على السلام وتعزيزه في الشرق الأوسط وحول العالم على أساس التفاهم المتبادل والتعايش».
ولم يتجرّأ الأردنيون والمصريون على إقفال السفارة الإسرائيلية في عمّان والقاهرة حيث بقي العلم الإسرائيلي يرفرف لإذلالهم. وباستثناء اليمن ولبنان، لم يتحرّك أي بلد عربي بشكل جدّي منذ بداية الإبادة الجماعية في قطاع غزة المحاصر لوقف المجازر الإسرائيلية بحق الأبرياء ووقف نزيف الدماء والإجرام المتواصل بحق الفلسطينيين.
في المقابل، حدّد الكيان الإسرائيلي منهجيّته في التعامل مع الدول العربية والإسلامية بشكل واضح خصوصاً في سوريا. فرغم رضوخ القيادة السورية الجديدة بالكامل للإملاءات الأميركية ولـ«السلام» مع إسرائيل وعدم مطالبتها بتحرير الجولان واستعادته (كأنه ليس جزءاً لا يتجزّأ من سوريا)، تتواصل الاعتداءات الحربية على سوريا ويتوسّع الاحتلال ليطال جبل الشيخ ودرعا و«ممر داوود» الذي يفترض أن يربط الجولان بالقامشلي.
إنّ النموذج الإسرائيلي في سوريا ينطبق إلى حدّ ما على لبنان حيث يستمرّ العدوان الإسرائيلي الحربي على القرى والبلدات الجنوبية والجبلية رغم قبول لبنان اتفاق «وقف الأعمال العدائية» والورقة الأميركية (الإسرائيلية) التي تقضي بنزع سلاح حزب الله. واللافت في الأمر هو أن رئيس الحكومة نواف سلام يشكّل رأس الحربة في تطبيق الورقة الأميركية التي تنص على نزع سلاح من يقاوم الاحتلال الإسرائيلي علماً أن سلام كان رئيساً لمحكمة العدل الدولية وهو يعلم حجم الإجرام الإسرائيلي وبشاعته. وهو يعلم كذلك أن الولايات المتحدة الأميركية هي الحليف الأساسي للكيان المجرم.
يدّعي بعض المحللين في دول الخليج أن الطريقة الصحيحة للتعامل مع إسرائيل ليست بمواجهتها عسكرياً بل العمل السياسي والديبلوماسي والقانوني لتحصيل ما يمكن تحصيله من الحقوق ــــــ وفي هذا الإطار كان لافتاً تطرّق بيان السلطات القطرية إلى تشكيل فريق قانوني للرد على العدوان الإسرائيلي على الدوحة. ولكنّ القطريين والخليجيين والعالم كله يعلمون أن أرفع محكمة في العالم (محكمة العدل الدولية) التي تأسست عام 1945 لتجسّد العدالة الدولية الملزمة لكل الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة لم تتحرّك بشكل فعّال لوقف تجويع مليون طفل في غزة المحاصرة.
كما إنهم يعلمون أن يوم تجرّأ المدّعي العام في المحكمة الجنائية الدولية كريم خان على الطلب من القضاة الدوليين المصادقة على مذكرات توقيف بحق نتنياهو ووزير حربه السابق يوآف غالانت، اتهم زوراً بالتحرّش الجنسي بإحدى المحاميات في مكتبه وأجبروه على التنحّي.
لكن مذكرات التوقيف ما تزال ملزمة قانونياً ونتنياهو ما يزال مجرماً متفلّتاً يزيد وتيرة جرائمه وهو فارّ من وجه العدالة بمساعدة الأميركيين وحمايتهم.
وجدت القيادة الإسرائيلية سبيلاً لمواصلة نسف القانون الدولي وحقوق الإنسان وأبسط القواعد الإنسانية عبر هجومها الأخير على قطر. فقد حلّق الطيران الحربي الإسرائيلي لمسافة تزيد على ألفي كيلومتر فوق الأردن والسعودية ليصل إلى العاصمة القطرية حيث استهدف بالصواريخ مبانيَ سكنية. ولم يخفِ الإسرائيلي أنه كان يحاول قتل القيادات الفلسطينية التي تشكّل الوفد المفاوض لتبادل الأسرى.
لكن هدف الهجوم يذهب إلى أبعد من ذلك إذ إن المنهجية التي يعتمدها الإسرائيلي في التعامل مع الدول العربية والإسلامية مبنيّة على الترهيب والتهديد والتخويف. فحتى تنعم إسرائيل بالأمن والاستقرار على أرض فلسطين التي تحتلّها ينبغي أن تكون كل الدول والشعوب المحيطة بها مرعوبة منها ومن غضب جيشها وإجرامه غير المحدود.
كما يعتقد الصهاينة أن توسيع إجرامهم وتكثيف القتل والتجويع والتعذيب والتهجير والحط من كرامات البشر ستكون الرادع الأساسي لعدم تكرار انفجار «طوفان الأقصى» وهجوم المقاومة في 7 أكتوبر 2023 المجيد. لكن الحقيقة التاريخية هي أنه كلّما كثّفت إسرائيل إجرامها واحتلالها، كلّما تعاظمت المقاومة بأشكالها المختلفة.
إنّ السبب الأساسي لقصف العدو الإسرائيلي العاصمة القطرية ليس اغتيال القادة الفلسطينيين بل هو ترهيب العالم والتذكير بأن لا حدود لنتنياهو وجيشه ولا ضوابط أو قواعد قانونية أو أخلاقية أو حتى إنسانية تقف أمام من يصفون أنفسهم بـ«شعب الله المختار».